
الرهبانية اليسوعية
تأسّست الرهبانيّة في العام 1540 على يد القدّيس إغناطيوس دي لويولا، ويعرف أعضاؤها باليسوعيّين.
الرهبانيّة اليسوعيّة هي الرهبانيّة الأكثر عددًا في الكنيسة الكاثوليكيّة.
إنّها حاضرة في حوالى 120 بلدًا موزّعة على القارّات الستّ، ويبلغ عدد اليسوعيّين اليوم حوالى 18,000 عضو، سواء كانوا كهنة أو إخوة أو رهبانًا في مرحلة التكوين.
جميعهم يلتزمون بالنذور الرهبانيّة في الفقر والعفّة والطاعة.
يعيش اليسوعيّون في جماعةٍ مع رفاقٍ يسوعيّين آخرين، وينهمكون في مهامّ متنوّعة. إنّهم مستعدّون للعمل حيث الحاجة الأشدّ.
جماعاتهم مؤسّسة على الاحتفال بالإفخارستيّا، والصلاة، ورؤيتهم المشتركة، ورسالتهم، وتقليدهم الروحيّ، كما على المشاركة بالإيمان والحياة.
كان القدّيس إغناطيوس يحبّ أن يسمّيهم: «أصدقاء في الربّ».
يلتزم اليسوعيّون في الشرق الأدنى بمختلف الحقول الرسوليّة كالمدارس أو الجامعات، مراكز الرياضات الروحيّة، المراكز الثقافيّة أو الاجتماعيّة، الرعايا، أو الأعمال التي تخدم الفقراء والأشدّ بؤسًا (مثلاً الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللاجئين JRS).
إنّهم يستطيعون أن يكونوا أساتذة، مرشدين روحيّين، محلّلين نفسيّين، أطبّاء، محامين، ممثّلين، مرشدين، عاملين اجتماعيّين…
باختصار، يمكنهم أن يتمّوا تقريبًا كلّ نوعٍ من الخدمة قد نتصوّره. إنّهم ملتزمون بمختلف الطبقات الاجتماعيّة، بين المسيحيّين وغير المسيحيّين، في المدن الكبيرة كما في المناطق البعيدة جدًّا.
غناطيوس دي لويولا مؤسّس اليسوعيّين (1491-1556)
يعود اهتداء القدّيس إغناطيوس دي لويولا ليصير تلميذ المسيح إلى حادثة: جرحت قذيفة مدفعٍ ساقه حين كان يدافع عن قلعة بامبلونا بإسبانيا في العام 1521.
وأمضى فترة نقاهةٍ طويلة وقاسية. وحين تمكّن من المشي ثانيةً، صار حاجًّا يفتّش عن السلام الداخليّ والطريق الذي يقوده الربّ فيه.
وبعد سنة، وبينما كان يتأمّل جالسًا على هضبةٍ تطلّ على نهر الكاردونير، في منريسا بالقرب من برشلونة، نال خبرةً صوفيّة كشفت له سرّ الثالوث.
وشعر إغناطيوس بأنّ كلّ العطايا والنِعَم التي تلقّاها منذ ذلك الحين لا تساوي ما اختبره في تلك اللحظة. لقد تأصّل شغفه
لخدمة المسيح في وسط الانشغالات اليوميّة بهذا اللقاء الصوفيّ بالثالوث.ويمكننا القول إنّه كان له بمثابة عنصرة.
إبتداءً من ذلك الحين، تابع إغناطيوس دي لويولا طريقه حاجًّا، ولكن بطريقةٍ مختلفة. فبعد أن راقب وفكّر طوال سنةٍ ونصف تقريبًا بحركات «الأرواح» المتناقضة التي تعصف بقلبه،
توصّل إلى ملاحظة أيّها من الله وأيّها يخالف الأفكار الإلهيّة. فبدأ حينها مسيرةً مع رجالٍ ونساء جعلهم يشاركون في «حواراتٍ روحيّة»،
ليساعدهم على التفكير في خبرتهم كي يلاحظوا من خلالها حضور نداءات الله.
فذهب إلى جامعة السوربون بباريس في العام 1528 ليتحضّر لهذه المهمّة بطريقةٍ رسميّة. ونجح هناك بتجميع مجموعة من حوالى عشرة طلاّب جامعيّين
كانوا يجتمعون بإشرافه ليصلّوا ويدرسوا ويتفانوا بأعمال المحبّة تجاه الفقراء.
وقرّرت مجموعة «الأصدقاء بالربّ» الأولى هذه أن تظلّ معًا لخدمة الكنيسة. وفي طريقهم إلى روما، توقّف إغناطيوس ليصلّي في لاستورتا،
وهي كابيلاّ صغيرة على حافّة الطريق. فنال هناك نِعَمًا أكّدت رغبته في أن يكون تلميذ المسيح: رأى يسوع يحمل صليبه بالقرب من الآب،
وسمع الآب يقول ليسوع: «أريد أن يخدمنا»؛ والتفت يسوع إلى إغناطيوس وقال له: «أريدكَ أن تخدمنا» .
هذه الخبرة جعلت إغناطيوس يطلق على الجماعة الرهبانيّة التي كان سيؤسّسها لاحقًا اسم «رفاق يسوع». وهكذا نال إغناطيوس بفضل هذه الرؤيا تثبيتًا لرغبته بالتماهي لخدمة المسيح الفقير والمتواضع والمتألّم.
الروحانيّة الإغناطيّة
تعتبر الروحانيّة الإغناطيّة الحياة والكون كلّه هبة من الله، هبة تثير الاندهاش والامتنان.
إنّها تجعل التخيّل والعاطفة يشاركان، معتمدةً في الآن نفسه على العقل.
إنّها تفتّش عمّا هو إلهيّ في كلّ الأشياء والأشخاص والثقافات، في الدروس والأبحاث، في الحوار والخبرة البشريّة، وخصوصًا في شخص يسوع المسيح.
إنّها تقرّ بأنّ الشرّ يعمل على المستوى الشخصيّ أو الجماعيّ، ولكنّها تعترف بأنّ المحبّة أقوى من كلّ شرّ.
إنّها تلحّ على الحرّيّة، وضرورة التمييز، والالتزام المسؤول.
إنّها تكوّن أشخاصًا ليصيروا قادة ويتميّزوا بالخدمة، رجالاً ونساءً لأجل الآخرين، مواطنين متآزرين وعازمين على بناء عالمٍ أقوى عدالة وإنسانيّة.